في مقالنا السابق تطرقنا إلى موضوع أنوسميا أو فقدان حاستي الشم والرائحة التي   تعتبر أحد أهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا المعروفة حتى الآن، وفي هذا المقال سوف نوضح  ما تم التوصل  إليه في خصوص هذا الموضوع من معلومات ونظريات الكامنة وراء آلية فقدان حاستي الشم والتذوق ،وما هي الطرق والأدوية المستخدمة لتخفيف أو علاج هذه المشكلة؟، فمن أهم هذه الطرق تناول الزنك لعلاج أو تخفيف مشكلة فقدان حاستي الشم والتذوق .

الأنوسميا

تسمى حالة فقدان الشخص حاستي الشم والتذوق بالمصطلحات الطبية أنوسميا، وقد واجه بعض الأشخاص هذه المشكلة، بينما يستخدم مصطلح اللاذوقية(ضعف حاسة التذوق) عندما يكون الشخص غير قادر على إدراك طعم الشيء مثل الحلاوة والملوحة والمرارة ، وتشمل مشكلة إضطرابات الرائحة والتذوق هاتين الحالتين.

في مقالنا السابق ذكرنا أنا هناك أسباب متعددة للإصابة بالأنوسميا، مثل إصابة الأعصاب الدماغية بسبب عملية جراحية أو صدمة بالراس، أو أورام أنفية حميدة أو أنوسميا تالٍ للعدوى الفيروسية، أو  إحتقان الأنف الذي يعتبر أكثر شيوعًا ويكون عادةً ناجم عن الأنفلونزا  أو الحساسية أو إلتهابات الجيوب الأنفية.

أدى إنتشار فيروس كورونا في العالم  في الوقت الحالي إلى إنتشار العديد من الدراسات البحثية التي تثبت أن فيروس كورونا يسبب  عدة أعراض حادة  مثل فقدان حاسة الشم مبدئيًا ثم فقدان حاسة التذوق لاحقًا وتساعد هذه الأعراض على الكشف بشكل مبكر على  الأصابة بالفيروس كورونا .

 تشير بعض الدراسات والأبحاث إلى أهمية تناول الزنك عن الطريق الفم لعلاج إضطرابات الطعم والرائحة المتمثلة بفقدان حاستي الشم والتذوق التي تحدث بشكل رئيسي بسبب بعض التغيرات أو الإصابات الفسيولوجية،  ومن هذه التغيرات الفسيولوجية  أنوسميا تالٍ للصدمة أو الجرح للرأس بسبب  الإصابة بالفشل الكلوي أو الفشل الكبدي أو بسبب الحمل.

تأثير تناول الزنك في التخفيف من أعراض الأنوسميا

يوجد العديد من النظريات في الأشهر القليلة الماضية التي تعتقد أن الزنك يلعب دورًا في التخفيف من الأعراض المرتبطة بفيروس كورونا ، في هذا المقال سوف نناقش ونتحرى بعض هذه النظريات إذا كانت صحيحة ام لا ، ولكن قبل ذلك من  المهم فهم آلية  التشريحية والبيولوجية لعمل الزنك داخل الجسم وكيفية إرتباطه مبستقبلات حواس الشم والتذوق.

كيف يرتبط الزنك بمستقبلات حاستي الشم والتذوق؟

بالإضافة إلى  أهمية تناول مكملات الزنك يوجد إنزيم يحتوي على الزنك في  براعم التذوق هو الأنهيدراز الكربوني السادس (الجوستين) الضروري لتحفيز عمل براعم التذوق.

مستقبلات حاسة الشم  

تمتلك أجسادنا آلية متطورة للغاية لإدراك الطعم ورائحة الشيء، فيوجد في اجسامنا خلايا مستقبلات طبيعية لمختلف الحواس ووظائف آخرى ، على سبيل المثال يوجد أهداب شمية في الظهارة ( البشرة) الشمية لسقف الأنف تعمل كمستقبلات شمية لمختلف الروائح.

مستقبلات حاسة التذوق

توجد مستقبلات التذوق في اللسان على شكل براعم تسمى براعم التذوق . تحتوي هذه البراعم على مجموعة من الخلايا المستقبلية ، وتميز كل خلية مستقبلية نوعًا معينًا من المحفزات، ثم ترسل إشارات من خلال الأعصاب على شكل نبضات عصبية للدماغ ، وفي النهاية يفسر الدماغ هذه الإشارات على أنها  مجموعة من الأحاسيس المختلفة .

أهمية الزنك لحاستي الشم والتذوق

تشبه الخلايا الظهارية (خلايا البشرة) الموجودة في الفم والأنف  الخصائص الموجودة في أي  جزء من الجسم، فإن خلايا المستقبلات الشمية والذوقية تموت بشكل طبيعي أو بسبب إصابة معينة ، ويمكن أن يؤدي فقدان الخلايا بشكل يومي إلى فقدان حاستي الشم والتذوق بشكل مطلق. إلا أن وجود الخلايا الجذعية بالقرب مها وإنقسامها بشكل تلقائي يعوض الخليا الميتة ، ويساعد إنقسام الخلايا الجذعية على المحافظة على عدد الخلايا الطبيعي ، وبهذه العملية  يبدأ دور الزنك.

يدخل الزنك في تكوين أكثر من 300 إنزيم في الجسم، فبعض هذه الإنزيمات المحتوية على الزنك ضرورية لتحفيز إنقسام الخلايا الجذعية الأساسية، وكما أظهرت بعض الدراسات أهمية الزنك في توصيل العصب المحيطي معلومات حسية إلى الدماغ.

بالإضافة إلى أهمية  تناول مكملات الزنك يوجد إنزيم يحتوي على الزنك في  براعم التذوق هو الأنهيدراز الكربوني السادس (الجوستين) الضروري لتحفيز عمل براعم التذوق، وتظهر  بعض الدراسات البحثية على الفئران أن نقص الزنك في إنزيم الأنهيدراز الكربوني السادس سبب إدراكًا غير طبيعي للأذوق المريرة.

هل يساعد تناول مكملات الزنك على تحسين وظيفة حاستي الشم والتذوق؟

على الرغم من أن تناول مكملات الزنك ليس لها تأثير على التغيرات الطارئة لحاستي الشم والتذوق المرتبطة بالعلاج الكيمائي ، إلا أنها ساعدت على تحسين هاتين الحاستين لدى المرضى اللذين يعانون من نقص الزنك.

يعتبر  وجود الزنك ضروري للغاية في حميتنا الغذائية ، فهو ثاني عنصر شحيح (عنصر النزر) وفرة في الجسم بعد الحديد، وتكمن أهميته في دخوله في عدة وظائف مرتبطة بحاستي الشم والتذوق. أثبتت مجموعة من الدراسات المختلفة علاقته وإرتباطه بحاسة الشم .

دراسة بحثية تكشف: علاقة عنصر الزنك بحاسة الشم

 أظهرت إحدى دراسات على الرغم من أن تناول مكملات الزنك ليس لها تأثير على التغيرات الطارئة لحاستي الشم والتذوق المرتبطة بالعلاج الكيمائي ، إلا أنها ساعدت على تحسين هاتين الحاستين لدى المرضى اللذين يعانون من نقص الزنك.

وفي بحث آخر تم إعطاء مكملات الزنك إلى 32 مريض بمرض تليف الكبد الكحولي لإختبار دوره في هذا العلاج، فقد تم تقديم تقارير تفيد بتحسن كبير في حاستي الشم والتذوق لدى عدد قليل من المرضى الذين تناولوا مكملات الزنك. إلتهاب الكبدي الكحولي أو التشمع الكبدي الكحولي هو مرض كبدي متقدم يسببه تناول الكحول لفترات طويلة ، فيصبح الكبد متصلبًا وغير فعال تقريبًا.

كيف يسبب فيروس كورونا الأنوسميا؟

يتكاثر فيروس كورونا داخل خلايا الظهارة الشمية ويسبب إصابة خلوية تؤدي إلى الموت أو إلتهاب خلايا الظهارة والعصبية الشمية مما يؤدي إلى فقدان حاسة الشم.

يسبب فيروس كورونا الأنوسميا وفقًا لدراسة بحثية فإن فيروس كورونا يدخل داخل الخلايا الجذعية القاعدية والخلايا المعوية ( الخلايا الداعمة الهيكلية التي لها دور في تحويل الروائح) للظهارة الشمية من خلال مستقبلات أنزيم محول للأنجيوتنسين 2 . يتكاثر فيروس كورونا داخل خلايا الظهارة الشمية ويسبب إصابة خلوية تؤدي إلى الموت أو إلتهاب خلايا الظهارة والعصبية الشمية مما يؤدي إلى فقدان حاسة الشم.

هل يمكن أن يساعد تناول الزنك  على إستعادة حاسة الشم المفقودة بعد الإصابة بفيروس كورونا؟

على الرغم من عدم وجود دراسة تؤكد كيف يعالج الزنك أعراض فيروس كورونا ، إلا أنه ثبت أنه يفيد في تقصير مدة ظهور أعراض الأنوسميا المرتبطة بالإصابة بفيروس كورونا ، ويوصي الأطباء بتناول مكملات الزنك مع الفيتامينات الآخرى.

يعتبر التفسير المنطقي لهذه النظرية هو أن الزنك يقوي جهاز المناعة في الجسم ويمنع تكاثر الجينوم الفيروسي ، بالإضافة إلى أن الإنزيمات المعدنية أو المفلزية  المحتوية على الزنك (الإنزيمات التي تحتوي على أيونات معدنية) تعمل على تعزيز إنقسام الخلايا الجذعية القاعدية التي تحل محل الخلايا الميتة وبهذه الآلية قد يساعد الزنك في مكافحة أعراض فيروس كورونا الأنوسميا.

يمكن أن يساعد تناول الزنك على مكافحة أعراض فيروس كورونا ولكن هناك الحاجة إلى المزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النظرية

أهمية المعادن والمغذيات في التخفيف من أعراض الأنوسميا؟

بالإضافة إلى الزنك هناك مجموعة من المعادن والمغذيات المختلفة التي تساعد أيضًا في التخفيف من أعراض الأنوسميا.

فيتامين (أ) و (د ) و (ج)

فيتامين (أ) له دور مماثل لدور  الزنك في آلية عمل حاسىة الشم . هناك أدلة وبحوث تشير إلى تناول فيتامين (أ) يخفف من من الأعراض البسيطة للأنوسميا . يوجد فيتامين (أ) في زيت كبد سمك القد والجزر والفواكه.

كما يفيد فيتامين (ج) و(د) في التخفيف أيضًا من الأعراض البسيطة للأنوسميا.

حمض ألفاليبويك

يوجد حمض ألفا ليبويك في اللحوم الحمراء والخضروات مثل السبانخ والبروكلي ، ويساهم أيضًا في تخفيف أعراض فقدان حاسة الشم.

يؤدي تناول حمض ألفاليبويك إلى إطلاق بعض مواد كعوامل لنمو الأعصاب في الجسم ، وتساهم هذه المواد في تنظيم  الخلايا العصبية ووظيفتها في عملية التوصيل ، مما يؤدي إلى إطلاق الإشارات من مستقبلات حاسة الشم إلى الدماغ بشكل أفضل ، وكما يحتوي حمض ألفاليبويك مواد مضادة للأكسدة التي تحمي خلايا الجسم من الأضرار التأكسدية.

حمض أوميجا 3 الدهنية

يوصي الأطباء بتناول وجبات غذائية تحتوي على اوميجا3 الدهنية الذي له دور مماثل يشبه دور حمض ألفاليبويكفي التخفيف من أعراض فقدان حاسة الشم، وكما له خصائص مضادة للإلتهابات في الجهاز العصبي المركزي والمحيطي  . يوحد حمض أوميجا 3 الدهني المكسرات والبذور والمأكولات البحرية مثل الأسماك وخاصة السلمون.

وينصح الأطباء أيضًا إعطاء مكملات أوميجا3 الدهنية للمرضى الذين يعانون من أعراض الأنوسميا.

تساعد كل هذه العناصر الغذائية والفيتامينات في التقليل من فترة علاج الأنوسميا المرتبطة الإصابة بفيروس كورونا لأنها تلعب دورًا مهمًا في آلية عمل حاسة الشم .

ينصح مرضى الأنوسميا بتناول الفواكه والخضروات والجوز والمأكولات البحرية للإستفادة من الفوائد الغذائية المذكورة أعلاه

ما الأطعمة الغذائية  التي  ينصح بتناولها في نظامي الغذائي للحصول على الكمية  المناسبة من الزنك؟

على الرغم من أن العناصر الغذائية والفيتامينات المختلفة مفيدة لعلاج أعراض الأنوسميا ، إلا أن الزنك هو الأكثر أهمية لأنه يلعب دورًا مباشرًا في الآلية البيولوجية للأنوسميا، ويحفز على بدأ  إستعادة القدرة على الشم من خلال عدة خطوات ، مثل تحفيز الخلايا المستقبلية الجوستين ، وتنظيم عميلة التوصيل العصبي المحيطي للدماغ، وإنقسام الخلايا الجذعية القاعدية لتحل محل الخلايا الميتة.

أطعمة غذائية غنية بالزنك

هناك العديد من الأطعمة الغذائية الغنية بالزنك وتشمل المحار واللحوم الحمراء والفاصوليا والمكسرات والحبوب الكاملة ومنتجات الألبان والمأكولات البحرية مثل السلطعون وسرطان البحر.

يفضل الحصول على الزنك من خلال تناول الأطعمة الحيوانية

ينصح بتناول الأطعمة الحيوانية للحصول على كمية المناسبة التي تحتاجها من الزنك وذلك بسبب ان الأطعمة النباتية تحتوي على حمض الفيتيك الذي يرتبط بالزنك مما يؤدي إلى إنخفاض إمتصاصه في القناة الهضمية ، فعند تناول الاطعمة الحيوانية سوف تحصل على كمية  أكبر من الزنك مقارنةً بتناول نفس الكمية من الأطعمة النباتية الغنية بالزنك.

ما هي الكمية المناسبة من الزنك الموصى بها يوميًا؟

يمكن أن تكون الكميات الزائدة من الزنك ضارة مثل نقصه، لذلك ينصح بإتباع نظام غذائي متوازن ومناسب للحفاظ على مستوى الطبيعي للزنك في الجسم.

وفقًا لمجلس الأغذية والتغذية في معهد الطب بالأكاديميات الوطنية فإن الجرعة الموصى بها من الزنك يوميًا 11مغ إلى 8مغ للرجل والمرأة البالغين على التوالي. من المهم تناول هذه الكمية يوميًا خلال جائحة كورونا ، بسبب دور وأهمية الزنك للمناعة والتخفيف من أعراض الأنوسميا.

يجب توخي الحذر عند تناول مكملات الزنك مع الأطعمة الغنية بالزنك لتجنب الإصابة بسمية الزنك لأن ذلك سوف يسبب لك أضرارًا أكثر من نفعه.

حقيقة غير متوقعة : هل تعلم أن كبريتات الزنك تستخدم لتحفيز الأنوسميا الأصطناعية في المختبر!

تستخدم كبريتات الزنك للحث على أنوسميا الإصطناعية للحيوانات في المختبر . تفسر الآلية التشريحية لكيفية حدوث ذلك من خلال  تطبيق المباشر للرذاذ يحتوي على كبريتات الزنك داخل أنف الحيوانات ، يسبب ذلك موت وتدهور السريع لخلايا الظهارة الشمية ، وكل ذلك يؤدي إلى فقدان مؤقت لحاسة الشم، وعند التوقف عن إدخال كبريتات الزنك من خلال الرذاذ داخل أنف الحيوانات تعود حاسة الشم إلى طبيعتها بسبب إنتاج خلايا جديدة ، وهذا كله يثبت تأثير كبريتات الزنك على حاسة الشم.

آخيرًا : علينا الإنتباه إلى ما يلي :

يشكل الزنك دورًا أساسيًا في إدراك ذوق ورائحة الشيء، ويساعد تناوله بشكل كافي في التخفيف من أعراض الأنوسميا واللاذوقية ولكن في نفس الوقت هناك الحاجة إلى مزيد من البحوث لتأكيد هذه النظرية.

يجب على الشخص توخي الحذر عند تناول مكملات الزنك والوجبات الغذائية الغنية بالزنك فيجب أن لا تتجازوز كمية الزنك يوميًا الجرعة الموصى بها للحصول فوائده.

على الرغم من أنه يوجد الكثير من العناصر الغذائية والفيتامينات التي لها مفعول وتأثيرات مشابهة للزنك عند تناولها  في التخفيف من أعراض الأنوسميا ، إلا أن الزنك يمكن أن يكون أكثر فعالية بسبب دوره المركزي بدخوله في خطوات متعددة لعمل حاسة الشم .

ومع ذلك يجب إجراء المزيد من الدراسات البحثية لفهم دور الزنك بشكل أفضل لعلاج أعراض الأنوسميا المرتبطة بالإصابة بفيروس كورونا .