حدث بارز في تاريخنا قاد إلى الإبتكار

نعيش الآن تغيرات وأحداث مهمة في الوقت الحاضر يمكن أن تغير من طريقة أدائنا لكثير من الأمور. منذ أن إجتاحتنا موجة كورونا واجهت أنظمة الرعاية الصحية لدينا صدمة غير مسبوقة لأنظمتها أدت إلى تغيرات وتجديدات جذرية كاملة لهذه الأنظمة.

هناك عدة إنجازات تحققت، فعلى سبيل المثال :

  • تم بناء المستشفيات في غضون أسبوعين وتم إعادة إستخدام مصانع التصنيع في جميع أنحاء العالم لدعم إنتاج معدات الحماية الشخصية.
  • تمكنت شركات الأدوية ومبتكرين التكنولوجيا الحيوية وشركات تصنيع الآلات بالتعاون مع بعضهم البعض من توفير أجهزة التنفس الصناعي في وقت أقل من التي كانت تحتاجه سابقًا.
  • تم فحص وإجراء التحليل للمرضى وظهرت النتائج في بضع ساعات بدلًا من أيام، وأصبحت فوائد التطبيب عن بعد ( بإستخدام تقنيات الإتصالات لتقديم الخدمات الصحية للمرضى) ملموسة الآن على نطاق واسع بين العامة .

 يوجد  أيضًا عدد من الإنجازات المشابهة التي لا حصر لها ، وأثرت التحديات التي واجهها العالم بسبب موجة كورونا إلى تحقيق إنجازات أخرى ليست أقل أهمية مما ذكر أعلاه.

ولكن كل هذه الأحداث تدفع عقولنا إلى التساؤل كيف ستكون أنظمتنا للرعاية الصحية بمجرد إنتهاء هذه الأزمة؟   هل سيتعين علينا الانتظار لساعات في غرف الطوارئ بسبب نقص كوادر الرعاية الصحية ؟ هل سوف يزداد عدد العاملين في المجال الرعاية الصحية لمواجهة الضغوطات التي يتعرضون لها ؟ هل سيحصل العاملون في مجال الرعاية الصحية على تعويضات وساعات عمل أفضل لوظائفهم الجديدة بعد أن أدركنا جميعًا القيمة والتضحيات التي يقدمونها  لنا يوميًا؟ هل أدت إنجازتنا في التغلب على التحديات التي سببتها أزمة كورونا إلى فتح أعيننا على  طرق جديدة لتحسين أنظمتنا وكيفية عملها

كيف كنا نمارس حياتنا قبل أزمة كورونا؟ وما هي الإستثناءات التي تم إجراؤها أثناء هذه الأزمة؟

تطوير لقاح جديد 

 منذ إنتشار فيروس كورونا أصبح الحديث عن تطوير لقاح  لدعم المناعة ضد هذا الفيروس الجديد لعامة الناس خبر يشغل مواقع التواصل الإجتماعي والأخبار. تتسابق العديد من شركات الأدوية الآن لتكون أول من يقدم اللقاح إلى السوق، ولكن ما تغير الآن هي فترة تصنيع هذه المنتجات المعقدة كاللقاح.

بعد قراءة الفقرة السابقة كنت في الماضي تعتقد عندما تقراء مثل هذه المعلومات أنها جزء من كتاب كيف ستكون الحياة عام  2020 ، وذلك بسبب أن عملية تصنيع اللقاح معقدة ومنظمة للغاية ، على سبيل المثال يشرف في  الولايات المتحدة  على عملية تصنيع اللقاح مركز تقييم وبحوث علم الأحياءالذي يعتبر جزءًا من إدارة الغذاء والدواء.

تنقسم عملية تصنيع اللقاح إلى عدة مراحل *:

1– المرحلة الإستكشافية

2- مرحلة التجارب ما قبل السريرية على الحيوانات

3- مرحلة التجارب السريرية على الإنسان.

تعتبر مراحل تصنيع اللقاح مهمة لإظهار السلامة والفعالية ، فيتم تجربتها على الحيوانات قبل أن يتم تجربته على مجموعة صغيرة من البشر خلال التجارب السريرية، ويتم إعطاء اللقاح للمرضى ومن ثم يتعرضون للعامل المبسبب للمرض مثل الفيروس أو البكتيريا ومن ثم يتم مراقبتهم  لتقييم سلامة الجرعة والإستجابة المناعية للمرضى التي يسببها هذا المرض.

يمكن أن تستغرق هذه العملية وقتًا طويلًا قبل إختيار مجموعات عشوائية أكبر في المرحلة الثانية والثالثة من مرحلة التجارب السريرية، وتتطلب كل مرحلة من هذه المراحل المرور بالكثير من الفحوصات الدقيقة بشكل منتظم فكل ذلك يؤدي إلى تأخير تطوير اللقاح، وبشكل عام قد تستغرق هذه العملية  إلى 12 إلى 15 عامًا حتى تكتمل.

حدثت تغيرات كثيرة لمواجهة موجة كورونا كل ذلك في أقل من عام، فما الأجراءت الإستثثنائية التي تم أتخذها؟

إنضمت العديد من المنظمات وشركات الأدوية الكبرى بقوة  لتسريع و تطوير اللقاحات وعمليات الموافقة عليها ،  وكما إنضمت أكسفورد بيوميديكا إلى شركات التكنولوجيا الحيوية التي تسعى إلى تمكين وتسريع عمليات تصنيع الأدوية بشكل أكثر كفاءة مثل اللقاحات وتكنولوجيا البيولوجيا، وكما أعطت الوكالات التنظيمية مثل وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية الأولوية للتطبيقات التجربية للقاح فيروس كورونا ، وقد وافقوا على تجربة لقاح أكسفورد لفيروس كورونا خلال فترة عمل لا تتجاوز أسبوعين ، وفي الواقع بدأ تصميم اللقاحات في أكسفورد في شهر يناير لعام 2020، و أستطاعوا الحصول على الموافقة لتجربة اللقاح خلال شهرين ويعتبر ذلك أمر إستثنائي .

 أعلنت أيضًا شركة الأدوية أسترازينيكا وجامعة أكسفورد عن إتفاق لتطوير اللقاح وتوزيعه عالميًا. فإذا  إستمر العمل بجدية على هذا  النحو ومع تقديم دعم قوي لتطوير اللقاح يمكن أن يتم تصنيع اللقاح على نطاق واسع في غضون عام.

إنتاج معدات الحماية الشخصية

لتتمكن من تطوير منتج جديد مخصص للإستخدامات الخاصة وله مواصفات عالية مثل إنتاج مجموعة من المعدات المعقمة أو إنتاج منتج لأغراض معينة تكون فيها النظافة أمرًا بالغ الأهمية، فذلك يتطلب من أصحاب المصانع و الموظفين الإلتزام بلوائح وقواعد صارمة تحكمها تشريعات و سلامة المنتج، وتتبع أوربا هذه التشريعات حاليًا في المملكة المتحدة وهي لائحة الإتحاد الأوروبي 2016/425 بشأن معدات الحماية الشخصية والمبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة االعالمية.

 يحتاج أيضًا أصحاب المصانع وكل شخص له علاقة بالعمل معهم إلى تقييم مطابقة معدات الوقاية الشخصية وعمل إختبارات خاصة للموافقة على نوع محدد وضمان الجودة، بالإضافة إلى إتباع متطلبات الصحة والسلامة الأساسية المنصوص عليها في هذه اللوائح . إذا كنت ترغب بقراءة تشريع الإتحاد الاوروبي الكامل لإنتاج معدات الوقاية الشخصية يرجى الضغط على هذا الرابط.

أجرى مكتب سلامة منتجات والمعايير في المملكة المتحدة تغييرات على عملية تصنيع لقاح لفيروس كورونا لتسريع تطوير هذا اللقاح، ولقد تم تسهيل القواعد والمبادئ التوجيهية للسماح للمصنعيين بتحقيق وإنشاء الطلب أو الغرض التي أنشات لأجله، وأيضًا لتقليل الحواجز أمام الشركات المصنعة الجديدة لمعدات الحماية الشخصية. إذا كنت ترغب بمعرفة التوجيهات كاملة إضغط على هذا الرابط . 

تفاوت التوزيع للإستخدام التكنولوجي والوصول إلى التجارة الإكترونية

تتمتع الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء في العالم المتقدم بإمكانية الوصول إلى الخدمات والتطورات التكنولوجية مثل تجارة التجزئة والمحلات التجارية عبر الإنترنت والتي تسمى التجارة الإكترونية ، ولكن إستخدام التجارة الإكترونية في بعض دول  النامية يعتبر شيء صعب، على رغم من توفر البنية التحتية وسهولة الوصول إلى الإتصالات السلكية واللاسلكية على نطاق واسع في معظم الأماكن، إلا أن طرق الإستخدام للتكنولوجيا ليس صحيحًا بشكل كامل في هذه المناطق .

إضطر العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة في دول كالأردن إلى الإستفادة من التجارة الإلكترونية في توسيع مجال أعمالهم مثل محلات الفلافل (الأكلة الشعبية في الأردن)، فلم يكن أحد يتخيل أن تدخل مثل هذه المحلات في التجارة الإلكترونية والآن أصبحت تتلقى الطلبات وتتبعها عبر خدمة الإنترنت، وبالنظر إلى الجانب المشرق من هذه التجربة نجد أن وباء فيروس كورونا قد أجبر هذه البلدان وأصحاب المشاريع الصغيرة على إعتماد التكنولوجيا في نظامهم بشكل أسرع ، وأدى ذلك إلى تقدم قد يستغرق على الأرجح عدة سنوات لإجراء مثل هذه النقلة النوعية. 

لقد تم إجراء الإستثناءات خلال فترة فيروس كورونا، لقد عملنا بشكل أفضل معًا

لقد  أثبتنا خلال مواجهتنا لأزمة كورونا أستطاعنا أن نتوحد لمكافحة هذا الفيروس معًا، وقد أثبتت هذه الأزمة  أننا نعمل بشكل أفضل معًا ، وكان التعاون المذهل بين العديد من المؤسسات المبتكرة التي عملت جنبًا إلى جنب لمكافحة هذا الفيروس من أجمل المواقف التي يمكن أت تقرأ عنها ، مثل تعاون الجامعات والمستشفيات مع بعضهم البعض لتقديم أفضل خدمة للمرضى .

كان من الملفت جدًا للكثيرين تعاون كلية لندن الجامعية وشركة صناعة السيارات مرسيدس في إستغلال الوقت لمساعدة ودعم المستشفيات  لمكافحة الضغط على الكمية المحدودة من أجهزة التنفس الصناعي التي تملكها. 

ولكن كيف ستؤثر كل ما تم عمله من إستثناءات وإنجازات على مستقبلنا؟

ما بعد أزمة كورونا ، أي شيء يمكن أن يكون مختلفًا ولكن عمليًا أكثر

حدثت العديد من التغييرات في حياتنا بسبب أزمة كورونا، ومن أهم التغيرات الجذرية التي حصلت هي العمل عن بعد، فبينما كان زميلي نيل يقضي ساعتين خلال ذهابه وعودته من العمل يوميًا قبل الأزمة، أما الآن أصبح يستخدم هذا الوقت لقضاء المزيد من الوقت مع عائلته، بالإضافة إلى التوتر الذي تسببه له أزمة المرور فالعمل في البيت  يشكل له فرصة للهروب من هذا الضغط، ويشكل العمل بالبيت بالنسبة لنيل فرصة كبيرة لإستغلال الوقت، فعادةً في العمل هناك الكثير من الأحاديث الجانبية التي ليست لها علاقة بالعمل والإجتماعات الكثيرة التي تأخذ وقتًا طويلًا وإنجاز بسيط مقارنةً بالوقت ، فكل هذا الوقت يمكن إستغلاله  لإنجاز المزيد من العمل بتركيز بدون تشتت و كفاءة أكبر وبشكل أسرع، ومن أهم الشركات التي دعمت قرار العمل عن بعد هي شركة فيس بوك فسمحت لموظفيها بالعمل بالمنزل حتى نهاية العام.

حافظت معظم الأنظمة المختلفة على هياكلها الثابتة دون تغير لفترات طويلة، ولكن في النهاية سمحت التحديات والقيود التي جاءت مع أزمة كورونا إلى تطويرها

لم تغير أزمة كورونا  فقط طريقة عملنا وإدراكنا أنه يمكن أن نقوم بالأشياء بشكل أسرع ، بل تعرفنا أكثر إلى أنفسنا فكثير من الأمور كنا نعتقد أنها ضرورية تعتبر الآن ثانوية.

على سبيل المثال القطاع التعليمي ، أصبح الطلاب في جميع أنحاء العالم لا يستطعون أن يتلقوا دروسهم ومحاضراتهم في الجامعات والمدارس، بدلًا من ذلك تم عمل حلول وإستثناءات جديدة في بعض البلدان ، فقد تم بث حصص وبرامج دراسية لبعض مدارس الأطفال على التلفزيون، وتم إجراء جميع المحاضرات والإمتحانات عبر الإنترنت، بالنسبة لهذا القطاع الذي حافظ على ثابته لعدة عقود دون تغيير ، فربما سمحت التحديات والقيود التي جاءت مع هذه الأزمة بتطور هذا القطاع في النهاية لعدة أجيال.

 كان النظام الدراسي تقليدي حتى هذه الأزمة، فقد كان  الطلبة يذهبون لصفوفهم ومحاضراتهم لتلقي المعلومات من الأساتذة بشكل تقليدي ، ومقارنةً بباقي القطاعات الأخرى الصناعية وغيرها فقد حدثت عدة ثورات في الماضي أدت إلى تغيرها وتطويرها، ولكن تعتبر أزمة كورونا حادثة غير عادية  للقطاع التعليمي .

 لقد كان كوكب الأرض هو المستفيد الأول من هذه الأزمة-ولكن إلى متى؟

إذا كان هناك مستفيد واحد من هذه الأزمة فمن المؤكد هو كوكب الأرض  في تاريخ 7 نيسان لعام 2020 إنخفض مستوى إنبعاث ثاني أكسيد الكربون العالمي إلى مستوى لم نشهده منذ 2006 ، ويبين الرسم البياني أدناه المأخوذ من ورقة لي كوير التي تناقش الإنخفاض المؤقت لإنبعاث ثاني أكسيد الكربون أثناء منع التجول بسبب فيروس كورونا، ويظهر إنبعاث ثاني أكسيد الكربون العالمية منذ عام  1970 إلى 2020، فعلى اليمين يمكنك أن ترى إنخفاض مستوى إنبعاث ثاني أكسيد الكربون خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام،  فكل ذلك يعتبر أخبار جيدة *.

لكن في الوقت نفسه ظهر تقرير مفاجئ في أوائل شهر حزيران لعام 2020  أنه على الرغم من كل هذه الأرقام المبشرة والإنخفاض في إنبعاث ثاني أكسيد الكربون على مدار الأشهر القليلة الماضية ، فإن ذروة إنبعاث ثاني أكسيد الكربون في وقت متأخر مقارنةً بقمة شهر أيار من عام  2019 أعلى بشكل مدهش، على الرغم من حدوث إنخفاض إجمالي بنسبة 17٪ في إنبعاث ثاني أكسيد الكربون العالمية في الأشهر الأخيرة ، إلا أن إجمالي الإنخفاض المقدر لعام 2020 سيكون بين 4٪ و 7٪ فقط أثناء تطبيق حظر التجول*.

يمكن أيضًا تفسير إنخفاض مستوى إنبعاث ثاني أكسيد الكربون العالمي بسبب إنخفاض الطلب على العديد من صناعات، مثل الفحم والنفط والغاز والكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة. وفقًا لمقال نُشر علىSaveOnEnergy إنخفض الطلب العالمي على الفحم والنفط بنسبة 8٪ و 5٪ في الربع الأول من عام 2020 على التوالي.

قد تساعد الجهود العالمية للحد من إنبعاث ثاني أكسيد الكربون في الحفاظ على مثل هذا المستوى من ثاني أكسيد الكربون المنخفض  بعد إنتهاء عمليات الإغلاق، فقد نشر تقرير في مجاة  SaveOnEnergy  يوضح  أن ما يقرب 12 شركة طاقة في جميع أنحاء العالم قد وافقت على خفض الإنتاج السنوي من إنبعاث ثاني أكسيد الكربون بمقدار 36 مليون طن إلى 52 مليون طن بحلول عام 2025.

من الواضح جدًا – لن يكون مستقبل معظم  أنظمتنا هو نفسه بعد أزمة كورونا

يوضح قانون نيوتن الثالث للحركة: أنه يوجد لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الإتجاه، فإن الحقيقة الوحيدة التي يعترف بها الجميع خلال هذه الجائحة هو أن الجميع شعر بالخوف بسبب فيروس كورونا ، فقد  توفي ملايين الأشخاص ومنع الكثيرين من متابعة أنشطتهم اليومية ، بالإضافة إلى تطبيقات حظر التجول في معظم أنحاء العالم.

توقفت العديد من مجالات الإقتصاد وحركة الطيران وإغلاقة المكاتب والأماكن الدينية المخصصة  للعبادة خلال جائحة كورونا، ولكن في نفس الوقت دعونا لا ننسى أنه تم تصنيع جهاز التنفس الصناعي في فترة قصيرة جدًا  وصنع كمامات في المنازل ، و بناء المستشفيات في غضون أسبوعين ، وتم تطوير اللقاحات خلال فترة  أقل من عام، ومع ذلك ، توجد  بعض الأنظمة  التي تضررت وقد لا تلتئم مرة أخرى  مثل كسر علاقات الثقة والعلاقات الدولية بين الدول الرائدة  كالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، و نعلم جميعًا أن الثقة تستغرق وقتًا طويلًا لإعادة بنائها بمجرد كسرها.